رئيس المجلس الرئاسي يلقي كلمة أمام منتدى كونكورديا الدولي في نيويورك

استضاف منتدى كونكورديا الدولي في نيويورك مساء أمس الاثنين، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني السيد فائز السراج ليتحدث أمام المنتدي الذي يضم العديد من القادة والشخصيات السياسية في لقاءه السنوي لهذا العام عن الازمة الليبية وسبل الخروج منها.
وقدم السيد الرئيس في بداية كلمته لمحة عن أهمية ليبيا موقعاً وموارد وإمكانيات، قبل إن يستعرض بدايات الازمة إثر التخلص من الحكم الشمولي السابق وقيام ثورة 17 فبراير.. وقال كيف أن المجتمع الدولي تخلى عن ليبيا بعد أن ساعد في نجاح الثورة، لتواجه بمفردها كل التداعيات، بدون إمكانيات، أو مؤسسات، أو تجربة ديمقراطية سابقة، وقال إن النتيجة كانت فوضى دامية، ساهم التدخل السلبي لبعض الدول في تأجيجها.
وقال رئيس المجلس الرئاسي إنه منذ سقوط النظام السابق تواجه ليبيا تحديات جسام لبناء دولة ديمقراطية حديثة، كان ابرز هذه التحديات انعــدام الأمن وانتشار السلاح، كما وفرت هذه الفوضى المسلحة المناخ لتسلل التنظيمات الإرهابية حيث نجح تنظيم الدولة “داعش” في السيطرة على مدينة سرت.
وقال السيد الرئيس أنه وفي وضع كهذا ” تعثر الاقتصاد إن لم يكن تجمد، وفشلت الجهود السياسية للحكومات المتعاقبة في تخطي الازمة، ولم تنجح في نزع السلاح، وتأرجح الوضع العام منذ 2011 ما بين المواجهات المسلحة، وفترات قصيرة من الهدوء المفخخ، ولذلك ما لم تحتكر الدولة السلاح ستبقى المشكلة مستمرة ولن تنتهي الأزمات”.
وتحدث السيد الرئيس عن الاتفاق السياسي الذي تولى بموجبه مسؤولياته وقال إنه كان بالإمكان في ظل هذا الاتفاق أن يكون للبلد وضع سياسي دائم، بمؤسساته الرئاسية والبرلمانية المنتخبة، ومؤسسة عسكرية موحدة ، لكن عدم التزام بعض الأطراف باستحقاقات الاتفاق ادخل البلاد في دوامة، لا بوصلة لها سوى المصالح الشخصية، لينعكس هذا الانقسام على مؤسسات الدولة السيادية وبالتالي على معيشة المواطنين .
وقال إن المجلس الرئاسي نأى بنفسه عن التجاذبات والمساومات السياسية وحملات الإساءة، حرصاً على لم الشمل، وتحدث عن جهوده التي لم تتوقف بحثاً عن القواسم المشتركة، من أجل بناء توافق يخرج البلاد من الازمة .
وأشار إلى الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي عقدت لبحث حلول للازمة الليبية، وكان أخرها مؤتمري باريس وباليرمو، حيث إلتزم المجلس الرئاسي التزاماً كاملاً بمخرجات تلك اللقاءات، بينما تنصل المشاركين الآخرين، ولم يلتزموا بما اتفقوا عليه.
وأخذ السيد الرئيس على الأمم المتحدة الممثل للمجتمع الدولي، عدم التعامل بحزم مع المعرقلين لتنفيذ الاتفاق، وبما شجع على استمرارهم في التعنت، والاستهتار بالقرارات الدولية.
وقال رئيس المجلس الرئاسي أنه رغم العراقيل والمزايدات لم تتوقف جهوده عن محاولة توسيع دائرة الوفاق، وقررت الحكومة اعتماد مسارات سياسية وأمنية واقتصادية متوازية ومتزامنة، وفي نفس الوقت تقرر حشد القوات العسكرية لمواجهة الإرهاب، الذي وصفه بأنه ضد القيم والمبادئ الإنسانية، وضد تعاليم الأديان جميعها، ويمثل تهديداً لكل ما يعمل على تحقيقه من أمن واستقرار وازدهار.
وتحدث عن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية التي تم في اطارها تحرير مدينة سرت من تنظيم الدولة ” داعش”، وقال : ” قدمنا في تلك المعركة 800 شهيد من شبابنا، والآف الجرحى ، كانت ملحمة شجاعة وفداء، ومازلت المعركة ضد الإرهاب مستمرة بالتعاون مع القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا ” أفر يكوم ” حيث نرصد ونلاحق فلوله أينما وجدت، ولن تنتهي معركتنا مع الإرهاب إلا باقتلاعه من جذوره”.
وتناول السيد الرئيس في حديثه المسار الاقتصادي، وما تحقق من رفع معدلات انتاج النفط من حوالي 150 آلف برميل في اليوم عند وصول المجلس الرئاسي إلى طرابلس في مارس 2016 إلى مليون ومائتي برميل يومياً حالياً، وأشار آلى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقه، ويعتمد على تكامل وتناغم السياسات النقدية والمالية والتجارية، وترشيد الانفاق، وتحفيز وتنمية إيرادات الدولة، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط لتتمكن من التطوير المستمر لعملياتها.
وقال السيد الرئيس إن انتعاش الاقتصاد يتطلب وجود الأمن، لذا حرص على أن يواكب الاصلاح الاقتصادي إصلاحاً للمنظومة الأمنية، حيث بدأت بالفعل ترتيبات أمنية لإرساء النظام العام، استناداً على قوات أمن وشرطة نظامية منضبطة، وقال لقد نجحنا في إحلال ودمج أفراد التشكيلات المسلحة داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية، كما نجحنا إلى حد كبير في أن يستتب الأمن حتى شاهدنا عودة أكثر من أربعين سفارة وبعثة دبلوماسية للعمل من طرابلس على سبيل المثال .
وقال السيد الرئيس هذا تقديم مختصر لعمل كبير ومتسع، والذي لم يخلو من اخفاق هنا أو تعثر هناك، فالتركة مثقلة بالمشاكل ، ، لكننا كنا نخطو بثبات وثقة نحو إعادة الاستقرار إلى بلادنا، ووضع الأساس لبناء دولة مدنية ديموقراطية حديثة، واقتربنا من تسوية سياسية ، حيث تحقق اجماع من خلال المبعوث الاممي السيد غسان سلامة على عقد مؤتمر وطني جامع، يمهد لانتخابات رئاسية وتشريعية ..
وقال رئيس المجلس الرئاسي أنه بينما كانت البلاد تستعد بتفاؤل لعقد هذا المؤتمر، وأثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، قرر خليفة حفتر الاعتداء على العاصمة طرابلس، دون مبرر سوى محاولة نسف العملية السياسية، واجهاض حلم الدولة المدنية، وإعادة الحكم العسكري الشمولي للبلاد، دون أن يعبأ بوجود الأمين العام، كما استهان بمبادرة المبعوث الاممي، و استخف بنتائج إعتداءه وما سيحدثه من تدمير، و يوقعه من ضحايا ليبيين من الجانبين .
وقال السيد الرئيس لقد حاولنا استيعاب حفتر في العملية السياسية، حيث عقد معه 6 اجتماعات، وتم التفاهم في اخر اجتماع في أبوظبي على عقد المؤتمر الوطني، واتضح بعد بضعة أيام من هذا اللقاء أنه كان مخادعاً طوال الوقت، ينتظر الفرصة لينقض على الحكم، ولم تكن مشاركته في المؤتمرات التي تستهدف حلاً سياسياً للازمة سوى محاولة لكسب الوقت، وأضاف قائلاً إن ما شجع حفتر على العدوان هو ما تلقاه طوال ثلاث سنوات من أسلحة ودعم مالي، حتى توهم أن في مقدوره اجتياح طرابلس خلال 48 ساعة.
وقال رئيس المجلس الرئاسي إن العدوان يقترب من الشهر السادس، فقد الليبيون حوالي ثلاثة آلاف مواطن، وجُرح الآلاف، وشُرد مئات الآلاف من النازحين، علاوةً على الأضرار التي أصابت البنى التحتية والمرافق العامة ومن ضمنها المطار الوحيد المتاح لسكان العاصمة، كما شملت المآسي بعض المهاجرين الذين تعرضوا لقصف أودى بحياة وجرح العشرات منهم، ناهيك عن الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها ميلشياته، وتشمل تجنيد الأطفال وقتل الأسرى والتمثيل بالجثث وجميعها موثق، أما ما يرتكب في المناطق الخاضعة لسيطرته فحدث ولا حرج ، قتل خارج نطاق القانون وعمليات اختطاف وتغييب قسري، وقمع لكل من يعترض.
وجدد السيد الرئيس في كلمته الطلب بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق، حيث ان الانتهاكات المرتكبة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حسب القانون الدولي.
وأكد رئيس المجلس الرئاسي على الاستمرار في معركة الدفاع عن العاصمة وأهلها، وعن مدنية الدولة، مؤكداً الثقة الكاملة في قدرة قوات الجيش الليبي والقوة المساندة على دحر المعتدي، الذي لن يجني من عدوانه سوى الندم، وأعلن تمسكه بالمبادرة التي طرحها في شهر يونيو الماضي للخروج من الازمة الراهنة بكل تفاصيلها، بعقد ملتقى ليبي، يمثل جميع مكونات وأطياف الشعب الذين يدعون إلي حل سلمي وديمقراطي، ولا مكان فيه لدعاة الحكم الشمولي، ومن تلطخت أيديهم بدماء الليبيين، وأن يتم خلال هذا الملتقى الاتفاق على خارطة طريق للمرحلة القادمة واعتماد قاعدة دستورية مناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة. وأن تتولى الأمم المتحدة الاشراف والتنظيم اللوجستي والأمني لهذه الانتخابات.
وقال السيد الرئيس : “أننا لن نتنازل عن مبادئنا في إيجاد حلول سلمية، تضمن بناء دولة مدنية ديموقراطية، لا تعيد انتاج الحكم الشمولي ” وأضاف قائلاً ” لقد دفع شعبنا ثمناً باهظاً لتحقيق هذه الدولة، ولا يمكن أن تذهب دماء أبنائنا سدى”.
واختتم السيد الرئيس كلمته قائلاً ” إن ليبيا دولة لها مقومات وتمتلك إمكانيات وطاقات كبيرة، وحان الوقت أن تأخذ مكانها اللائق بين الأمم و تحت الشمس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *